الحمد لله
الذي أرسل رسوله محمدًا - صلى الله عليه وسلم - بشيرًا
ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا،
بعثه رحمة للعالمين، ومُعلمًا للأُميين بلسان عربي مبين،
ووعده يوم القيامة مقامًا محمودًا وحوضًا مورودًا، وشرفًا
مشهودًا؛ فصلوات الله وملائكتِه وأنبيائِه والصالحين من
عباده عليه، وسلِّم تسليمًا مزيدًا، ورضي الله عن أصحابه
الكرام لُيوث الصِّدام، أهل المواقف العِظام، وهداة الأنام،
رضي الله عنهم أجمعين.
أما بعد:
أيها
المؤمنون، عباد الله، اتقوا الله - تعالى - فإن تقوى الله
- جل وعلا - أساس السعادة، وسبيل الفلاح والفوز في الدنيا
و الآخرة.
ثم
اعلموا - رحمكم الله - أن أعظم نعم الله - تبارك وتعالى -
على الإطلاق نعمة الإسلام دين الله - جل وعلا - الذي
ارتضاه لعباده دِينًا؛ قال الله - جلّ وعلا -: ﴿
الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ
دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ
لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3].
دين
الله - جل وعلا - الذي لا يقبل دينًا سواه؛ ﴿
إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ
الْإِسْلَامُ ﴾ [آل عمران: 19]. ﴿
وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ
دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ
الْخَاسِرِينَ ﴾ [آل عمران: 85].
عباد الله:
إنّ هذا
الدين القويم والصراط المستقيم الذي ارتضاه - تبارك وتعالى
- لعباده قد اختار له - جلّ وعلا - نبيًّا كريمًا وداعيًا
حكيمًا ومبلِّغًا أمينًا ألا وهو رسول الله محمد - صلى
الله عليه وسلم - فبلَّغ الرسالة وأدّى الأمانة، ونصح
الأُمّة، وجاهد في الله حقَّ جهاده؛ حتى أتاه اليقين، فما
ترك خيرًا إلا دلَّ الأمة عليه، ولا شرًّا إلا حذّرها منه،
فهو مِنَّة الله - جلّ وعلا - على عباده؛ قال الله - جلّ
وعلا -: ﴿ هُوَ الَّذِي
بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو
عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ
الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ
لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [الجمعة: 2].
فنسأل الله
- جلّ وعلا - أن يجزيه خير ما جزى نبيًّا عن أُمته على
نُصحه لأُمته،
وإبلاغه لدين الله - تبارك وتعالى - على التمام والكمال،
ونسأله - جل وعلا - أن يحشرنا يوم القيامة تحت لوائه وفي
زمرته - صلواته وسلامه عليه.
عباد الله:
ثم إن
الله - جلّ وعلا - اختار لهذا النبي الكريم أنصارًا
عدولاً، وصحابة كرامًا، عزّروه ونصروه وأيدوه - عليه
الصلاة والسلام - وبذلوا مُهَجهم وأنفاسهم وأموالهم في
سبيل نُصرته ونُصرة دينه - صلى الله عليه وسلم - ففازوا
بكل فضيلة وسبقوا الأمة في الخيرية، وفازوا برضوان الله،
قال الله - تعالى -: ﴿
وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ
وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ﴾
[التوبة: 100].
ما
أعلاها من منزلة، وما أشرفها من مكانة تبوَّأها الصحابة
الكرام، ونالها هؤلاء العدول الخيار، شرَّفهم الله برؤية
النبي الكريم - عليه الصّلاة والسلام - واستماع حديثه منه،
ونُصرته - صلى الله عليه وسلم - فهم خير أمة محمد - عليه
الصلاة والسلام - وهم أنصار الملَّة وأعوان الدّين، وليوث
الصدام وهُداة الأنام، ومبلغو دين الله إلى أمة محمد -
عليه الصلاة والسلام - لقد أثنى الله عليهم في كتابه
وعدلهم ووثقهم، وبيَّن شرفهم وسابقتهم، وأخبر - تعالى - عن
رضاه عنهم، ورضاهم عنه، أثنى عليهم ثناءً عطرًا ليس في
القرآن فقط، بل أثنى عليهم - جلّ وعلا - في القرآن
والإنجيل والتوراة؛ قال الله - تعالى -: ﴿
مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ
وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ
رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا
يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ
فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ
فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ
أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى
عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ
الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا
﴾ [الفتح: 29]، فهذا ثناءٌ على الصحابة في القرآن والتوراة
والإنجيل وفي القرآن.
عباد الله:
في آيٍ
كثيرة منه ثناء على الصحابة الكرام، وبيان مكانتهم وعظيم
قدرهم، وسمو شأنهم ورِفعة درجتهم، وهكذا السُّنة سُنةُ
نبيِّنا محمد - صلى الله عليه وسلم - مليئةٌ بالأحاديث
الدالة على فضل الصحابة، ورفيع شأنهم في الصحاح والسُّنن
والمسانيد، وفي كتب كثيرة أُفردت في بيان مناقب الصحابة
وفضائلهم، ومن ذلك قوله - عليه الصلاة والسلام -: ((خير
الناس قرني ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم))؛ أخرجاه في
الصحيحين، ومنها قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تسبوا
أصحابي؛ فوالذي نفسي بيده، لو أنفق أحدكم مثل "أُحدٍ"
ذهبًا، ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه، والأحاديث في هذا
الباب - عباد الله - كثيرةٌ جدًّا يعلمها من يطالع كتب
السُّنة.
عباد الله:
وصحابة
النبي - صلى الله عليه وسلم - متفاضلون ليسوا في الفضل
سواء؛ ﴿ لَا يَسْتَوِي
مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ
أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا
مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا ﴾ [الحديد: 10].
عباد الله:
وخير
هؤلاء الصحابة عشرة ذكرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - في
مجلس واحد وبشَّرهم بالجنة، ففي الترمذي وغيره بإسناد ثابت
عن عبدالرحمن بن عوف - رضي الله عنه - قال النبي - صلى
الله عليه وسلم -: ((أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة،
وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، وسعد في
الجنة، وسعيد في الجنة، وعبدالرحمن بن عوف في الجنة،
والزبير في الجنة، وعامر (أبو عبيدة بن الجراح) في
الجنة))، فهؤلاء عشرة شهد لهم - صلى الله عليه وسلم - في
مجلس واحد أنَّهم في الجنة، وخير هؤلاء العشرة الخلفاء
الراشدون أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وخير هؤلاء العشرة أبو
بكر وعمر، وقد ثبت في صحيح البخاري عن عبدالله بن عمر -
رضي الله عنه - قال: "كنا في زمن رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - نقول: خير أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -
أبو بكر ثم عمر، ويبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم
- فلا ينكره"، وثبت في صحيح البخاري عن محمد ابن الحنفية،
قال: قلت لأبي؛ يعني: علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -
أيُّ صحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - خير؟ قال: أبو
بكر، قال: قلتُ ثم مَنْ؟ قال عمر، قال: قلت: ثم أنتَ؟ قال:
ما أنا إلا واحد من المسلمين، بل ثبت عنه - رضي الله عنه -
أنه قال كما في السُّنة لابن أبي عاصم: "لا يبلغني عن أحد
أنه يفضلني على أبي بكر وعمر، إلا جلدته حدَّ المفتري".
عباد الله:
بل إن
أبا بكرٍ وعمر - رضي الله عنهما - سيدا أهل الجنة إطلاقًا
بعد النبيين والمرسلين، وقد ثبت في ذلك حديث صحيح عن النبي
- صلى الله عليه وسلم - فقد قال - عليه الصلاة والسلام -:
((سيدا كهول أهل الجنة أبو بكر وعمر من الأوَّلين والآخرين
عدا النبيين والمرسلين))؛ رواه غير واحد من الصحابة؛ منهم
علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وهو حديث صحيح ثابت.
عباد الله:
إن
الواجب علينا أُمّة الإسلام أن نعرفَ للصحابة فضلهم، ونحفظ
لهم قدرهم، ونعرف لهم مكانتهم، فهم أنصارُ النبيِّ الكريم
- عليه الصلاة والسلام - وحملة هذا الدين، وهم الأُمناءُ
العدول الثِّقات الأثبات الذين بلَّغوا دين سمعوه من النبي
- عليه الصلاة والسلام - وحفظوه ووعَوْه وبلغوه للأمة
تامًّا صافيًّا نقيًّا بلا زيادة ونقصان، قالوا: هذا ما
سمعناه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونبلِّغه لكم
كما سمعناه، سمعوا فوعوا وأدّوا، وبلغوا ونصحوا - رضي الله
عنهم وأرضاهم.
إنّ الواجب
علينا - عباد الله - أن نحفظ لهؤلاء الأخيار أن نحفظ لهم
قدرهم ونعرف لهم مكانتهم،
وكيف - عباد الله - لا
يُحفظ لهؤلاء قدرهم وهم حملة دين الله؟! ويجب علينا
- عباد الله - أن نعي تمامًا أن الطعن في الصحابة أو في
واحد منهم طعن في دين الله؛ لأن الطعن في الناقل طعن في
المنقول.
الصحابة
- رضي الله عنهم - هم الذين بلَّغوا لنا دينَ الله، وهم
الذين نصحوا لعباد الله، فإذا طعن في الصحابة، فالدين ذاته
مطعون فيه، ولهذا قال أبو زرعة الرازي: "إذا رأيتم الرجل
ينتقص أحدًا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
فاعلموا أنه زنديق؛ لأن القرآن حقٌّ والدين حق، وإنما
أدَّى إلينا ذلك الصحابة، وهؤلاء أرادوا أن يجرحوا شهودنا،
فهم بالجرح أولى، فهم زنادقة".
عباد الله:
إن
الصحابة كلَّهم عدول موثَّقُون وثَّقهم الله في كتابه،
وعدّلهم رسوله - صلى الله عليه وسلم - في سُنته، فلم يبق
فيهم لقائل مقالاً ولا لمتكلم مجالاً.
فالواجب
- عباد الله - أن نحفظ لهؤلاء الصحابة قدرَهم، فحبُّهم
إيمان وطاعة وإحسان، وبغضهم نفاق وشقاق وعصيان.
اللهم
ارضَ عن صحابة نبيِّك الكريم.
اللهم
ارضَ عن صحابة نبيِّك الكريم واجزهم عنّا أفضل الجزاء
وأعظمه.
اللهم
واعْمُر قلوبنا بمحبَّتهم يا ذا الجلال والإكرام، ووفقنا
لاحترامهم ومعرفة قدرهم يا حيُّ يا قيّوم، ربنا اغفر لنا
ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غِلاًّ
للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم.
أقول
هذا القول وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل
ذنب فاستغفروه يغفر لكم؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة
الثانية
الحمد
لله عظيم الإحسان واسع الفضل والجود والامتنان، وأشهد ألا
إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده
ورسوله - صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، وسلم
تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
عباد
الله، فأوصيكم ونفسي بتقوى الله؛ فإن من اتقى الله وقاه
وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه.
عباد الله:
إن نهج
أهل السُّنة مع الصحابة الكرام نهج سديد ومسلك وسط؛ فهم
يمتثلون فيهم أمر الله - جلّ وعلا - وأمر رسوله - صلى الله
عليه وسلم - بلا إفراط ولا تفريط، ولا غلو ولا جفاء؛ فهو
مسلك مبارك سار عليه أهل السُّنة والجماعة في حقِّ أصحاب
النبي الكريم - عليه الصلاة والسلام.
وهذا
النهج السديد - عباد الله - نرى ملامحه جليَّة في قول الله
- تبارك وتعالى - عن كل من جاء بعد الصحابة من المؤمنين في
قوله - سبحانه: ﴿ وَالَّذِينَ
جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا
وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَابِالْإِيمَانِ وَلَا
تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا
رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾.
|
الثلاثاء، 25 أكتوبر 2016
- تعليقات بلوجر
- تعليقات الفيس بوك
Item Reviewed: فضل الصحابة الكرام
Rating: 5
Reviewed By: chalhaoui