شباب الصحابة
شباب الصحابة
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات خلق فسوى وقدر فهدى، هدى من شاء بفضله وأضل من شاء بعدله. فله الحمد كثيرا كما ينعم كثيرا وله الشكر كثيرا كما يجزل كثيرا. وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له. واشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا أما بعد:
فيا أيها الناس : أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل.
أيها المسلمون:
الحديث عن الشباب وعن قضاياهم حديث ذو شجون، يذكرنا بالحديث عن شباب صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ابر الناس قلوبا وأعمقها علما وأقلها تكلفا ، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ونقل دينه فهم على الهدى المستقيم.
ما أحوجنا نحن الشباب أن نسمع شيئا من سيرة شباب الصحابة رضي الله عنهم وعن مواقفهم وأحوالهم.
لقد صخت آذاننا ونحن نسمع ونرى سير شباب القرن الخامس عشر الهجري والعشرين الميلادي شباب المدنية والحضارة.
نعم إنهم شباب المدنية والحضارة لكن فيهم خيرا كثيرا.
فهم يريدون من يدلهم على الحق ويرشدهم إليه ويريدون القدوة التي يقتدون بها حتى يكونوا مثلها.
إن الناس الآن ينظرون للشباب إلى أنهم شباب الطيش والخفة ،والانحراف والجنوح والدوران بالشوارع وفي الطرقات
. ولكننا بنظرة لشباب الصحابة نرى أن هذه النظرة للشباب نظرة غير صحيحة فهم شباب الإسلام وشباب القرآن وشباب الجهاد في سبيل الله وشباب العلم النافع وشباب العبادة وشباب الدعوة إلى الله وشباب الخلق الحسن.
ولنرى ونسمع إلى بعض مواقفهم في عبادتهم لربهم كيف كانوا وهل هم شباب العبادة لله أم شباب الطيش والصخب؟
في مسند الإمام أحمد من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة ثلاث وعشرين في شهر رمضان إلى ثلث الليل الأول ثم صلى معه ليلة خمس وعشرين الى نصف الليل ثم صلى معه ليلة سبع وعشرين إلى قبل الفجر
إن صلاة النعمان بن بشير هذه الصلاة الطويلة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لا زال شابا صغيرا ليعطي الشاب المسلم دفعة قوية لاتخاذه قدوة ، ويزداد اجتهادا في عبادة ربه.
ومع شاب آخر إنه عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما وقد زوجه أبوه وهو لا زال صغيرا فكان أبوه يأتي لامرأته ويسألها كيف حال عبد الله؟ يعنى ابنه.
فتقول: نعم الرجل عبد الله لم يكشف لنا كنفا ولم يطأ لنا فراشا. وهي تشير إلى أنه مشغول بالعبادة لربه عنها يصوم بالنهار ويقوم بالليل ولا حاجة له فيها. فيشكوه أبوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فكان جواب الإبن جوابا عجيبا قال يا رسول الله: دعني استمتع من قوتي ومن شبابي. فهو يريد أن يستغل هذه الفترة من حياته حياة الشبة والفتوة يستعملها في طاعة الله وفي عبادة الله .
انه يعلم أن فترة الشباب لن تعود ،
انه يعلم ما للشبيبة إذا أحسنوا العمل في شبتهم فاحد هؤلاء الشباب :
يكون في ظل عرش الرحمن يوم القيامة ـ لأنه شاب نشأ في عبادة الله ، نشأ من صغره ورباه أبوه على طاعة الله وشاب على ذلك ومات ، فكان في ظل عرش الرحمن .
إن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن يعلم عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن لنفسه عليه حقا ولأهله حقا ولزوجته حقا ولربه حقا فيعطي كل ذي حق حقه .
ومع شاب ثالث انه محمد بن طلحة رضي الله عنه فقد كان يلقب بالسَّجَّاد لكثرة صلاته وشدة اجتهاده في عبادة ربه .
وشاب رابع وهو عبد الله بن الزبير فقد كان رضي الله عنه صواما قواما وصولا للرحم.
أيها المسلمون:
إن أولئك الشباب هم معروفون بين الناس بصلاحهم ،بل وحتى في بيوتهم ،فهم يحيونها بالطاعة والعبادة.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (
لا تجعلوا بيوتكم مقابر )
وقد سئل نافع رحمه الله عما كان يفعله عبد الله بن عمر بن الخطاب في بيته فقال : إنكم لا تطيقونه، أي لا تستطيعون أن تعملوا ما يعمل ، الوضوء لكل صلاة والمصحف فيما بينهما
وكثير من الشباب هذه الأيام يشكو من الفراغ في البيت ويشعر الشاب أنه إذا قعد في بيته كان ذلك مدعاة للوقوع في المعصية والخطيئة فلعل من علاج ذلك الفراغ : أن يشتغل الشاب بطاعة ربه في بيته ما بين صلاة وقراءة قرآن وكتب إسلامية مفيدة وسماع شريط وزيارة صديق أو جار أو صلة لرحم.
ومع شاب سادس: إنه حمزة بن عمرو الأسلمي رضي الله عنه كان كثير الصوم وكان يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله أجد بي قوة على الصيام في السفر فهل عليَّ جناح ؟!
وفي رواية : إني رجل كثير الصيام أفأصوم في السفر ؟ فقال الرسول صلى الله عليه وسلم :(
هي رخصة من الله فمن أخذ بها فحسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه).
إن الصيام من العبادات التي يحتاجها كل مسلم وكل شاب بالأخص ونحن في زمن الفتن والشهوات وفي زمن الخلاعة والفجور. وقد أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم الشباب بذلك فقال: ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء).
أيها الناس هذا هو واقع شباب الصحابة الأجلاء.
احفظوها وعلموها أبناءكم وربوهم على أن يكونوا مثلهم.
فتشبهوا بالقوم إن لم تكونوا مثلهم إن التشبه بالكرام فلاح.
ويا إخواني الشباب:
هذه مواقف من هم في أسنانكم فاجعلوهم قدوة لكم. وفقكم الله وسدد خطاكم .
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه
أما بعد:
فلقد أثنى الله تعالى على الذين يبكون من خشيته ووصف عباده الصالحين الذين أوتوا العلم بأنهم: ( يخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا) ووصفهم بأنهم: ( إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا) ويحدثنا الشاب عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( عينان لا تمسهما النار : عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله) ويحدثنا أهل السير عن الشاب عبدالله بن حنظلة رضي الله عنه أنه سمع قارئا يقرأ: ( ومن فوقهم غواش) فبكى حتى ظنوا أن نفسه ستخرج ثم قام: فقيل : يا أبا عبد الرحمن : اقعد فقال منعني ذكر جهنم من القعود ولا أدري لعلي أحدهم.
ويحدثنا أنس رضي الله عنه عن موقف من مواقف الشباب في سكرات الموت. وقد دخل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يجود بنفسه فقال: ( كيف تجدك) ؟ قال: والله يا رسول الله إني أرجوا الله وإني أخاف ذنوبي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو وآمنه مما يخاف).
نعم أيها الإخوة:
إن البكاء لا يصدر إلا من شاب أحس بالتقصير في طاعة الله فخاف من الله وخشي على نفسه من النار ،ولذلك استغفر من ذنبه وتاب وبكى وندم وطلب من الله أن يعفو عنه. ولا شك أن هذا البكاء أكبر دافع للشاب لكي ينتصر على نفسه وعلى شهوته وأن يسيطر على هواه.
أما من احتقر ذنبه ولم يندم على معصية فلربما تاب لكنها توبة ذات عزيمة ضعيفة سرعان ما يرجع الشاب إلى معصيته
وأقول يا أيها الإخوة:
إن التائب من الذنب كمن لا ذنب له ومن استحى من الله استحي الله منه.
فأقبلوا على ربكم وتوبوا إليه فلا أحد أشد فرحا من الله بتوبة عبده.
أيها الناس: ارحموا الشباب فهم يعيشون بين ضياع الآباء وغفلة الأمهات وفساد القنوات واشتداد الشهوات والمتربصين بهم من شياطين الأنس والجن الذين يهدونهم المخدرات والمسكرات ليس إلا بقصد إفسادهم .
أيها الأب يامن أصلح الله لك أولادك ، احمد الله على ذلك وأكثر من الحمد والشكر فأنت في نعمة عظيمة ، واحذر أشد الحذر أن تعيِّر غيرك من الآباء بفساد أولادهم فكل أب على وجه الأرض عنده الحرص على صلاح ولده لكن الهداية بيد الله يهدي من يشاء ويضل من يشاء .
وإني أخشى والله إن تماديت في معايرتك لغيرك بفساد أولادهم أن الله يبتليك في احد أولادك وأحفادك فتنقلب الموازين ولقد سمعنا من ذلك الشيء الكثير فاحفظ لسانك عن عيوب الناس وساهم وساعد وابذل الجهد في إصلاح أولاد الناس.
أيها الأب :
يامن يشتكي من أولاده :
عليك ببذل السبب في إصلاح الولد والهداية بيد الله فإن كان الولد لازال صغيرا ومقدورا عليه فعليك بالحرص على استقامته وصلاحه وحلاوة لسانه وجنبه الشرور وأصدقاء السوء وعليك بالدعاء.
أما إذا بلغ ولدك سن الشباب فليكن منهجك الحوار معه والجلوس معه والمصارحة له وأن تشكوا له ما في نفسك عنه واجعله يشاركك في همومك ، إن هذا هو ولدك وحبيبك وفلذة كبدك.
أما الضرب والسب والشتم واللعن والطرد للولد في هذا السن فهذا لا يجدي شيئا ولن يصلح لك ولدك.
اجلس معه أوخذه معك في السيارة لوحدك ووحده وتبادل أنت وإياه أطراف الحديث حول مشاكله وحل له كل مشاكله واحدة واحدة وسترى النتيجة الطيبة وعليك قبل ذلك وبعده بالدعاء ثم الدعاء ثم الدعاء أن يصلح الله هذا الولد وسترى النتيجة الطيبة بإذن الله .
أيها الشباب /
هؤلاء هم آباؤكم وإخوانكم الكبار تتقطع قلوبهم حرصاً عليكم وستعرفون ذلك إذا جاء لكم أولاد في مستقبل أعماركم واني أقول لكم ياشباب /
ارحموا آباءكم ، ارحموا آباءكم ، ارحموا آباءكم ، وقل لأبيك وحدك ووحده ما الذي تريده منه ، اجلس مع أبيك وقل له / أنا ولدك أريد منك كذا وكذا وكذا واعدك بأنني سأكون ولدك الصالح وعبدك الطائع ، قل له ذلك بصراحة ووضوح .
وإلا ستستمر النفرة بينك وبين أبيك ، ويا عجباً فأنت الابن وهو الأب والى متى التنافر بينكما ؟
واعلم يا أخي انك متى ما أحدثت طاعة ، وتقربت إلى الله بالصلاح في نفسك ، فان أبيك يفتخر بذلك ويعتز ويتمدح بك في المجالس فأنت رفعت رأسه .
ومتى ما جنحت عن الحق ،وجانبت الصواب ، فان المصيبة العظمى ليست عليك وحدك بل على أبيك الذي تعب وكد وتصب ، وطالما هش وبش وضحك في وجهك فهل هذا جزاؤه ؟ !.
إنني ادعوا الجميع إلى جلسات المصارحة بين الآباء وأبنائهم حتى تتقارب وجهات النظر ، ويحصل الخير والتلاحم والألفة والمحبة والصلاح ..
وأعيد واكرر ثانية وثالثة وعاشرة لا تعيِّر يا أيها الأب غيرك بأولاده الفاسدين فوالله إني لأخشى عليك من عاقبة ذلك ، لكن ساهم في إصلاحهم وادع الله لهم بالهداية .
إن الله وملائكته يصلون على النبي ........
