بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ
الرَّحِيْمِ
أليس هو ﷺ السراجَ المنيرَ،
والبشيرَ النذيرَ، رسول
اللهَ، ونبيَّ الإسلام، الذي
ملأ الأرض عدلاً ونوراً،
وصلاحاً وحبورا، خيرَ
البريّة، ومعلّمَ الإنسانية،
ومنقذَ البشرية، وهادمَ كيان
الوثنية؟
اختاره الله ليكون صفوةَ
الخلق، وإمامَ الرسُل،
واصطفاه ليكون حبيبَه
وخليلَه، ووعده أن يبعثه
مقاماً محموداً، وفضّله
بالشفاعة الكبرى، وجعله أول
من يهز حِلَقَ باب الجنة.
ذاك النبي الأمي ﷺ الذي بلغ
الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح
الأمة، وكشف الغمة، وجاهد في
الله حق جهاده حتى أتاه
اليقين.
أخرج الناس من الظلمات إلى
النور، ومن الشرك إلى
التوحيد، ومن الذل والظلم
والجهل والشتات والمهانة، إلى
العز والعدل والعلم والاجتماع
والكرامة؟
مَنْ نحن لولا دين محمد ﷺ
وملّته؟ وما قيمتنا لولا
رسالته وشريعته؟ وما مصيرنا
لولا دعوته وعقيدته؟
وكيف كان أهل الأرض قبل
مبعثه؟ أليس قد اطلّع الله
عليهم ومقتهم عربهم وعجمهم
إلا بقايا[1] ؟
ألم يكونوا في جاهليةٍ جهلاء،
وضلالةٍ عمياء، وتخلف وتنافر
وهمجية ووحشية؟
فما أن طلع فجر الرسالة،
وأشرقت شمس النبوة على يد
مربي الأجيال، وقائد الأبطال،
حتى تغير مسار التأريخ!
صلى الله عليه وسلم
جعل من الأمم الضالة الكافرة
المتناحرة = أمة واحدة تدين
بأفضل ملة، وتحمل أعلى همة،
بلغتْ بها القمة.
فحوّلهم من رعاةٍ للغنم إلى
قادةٍ للأمم، ومن عُبّاد
أوثان إلى رهبان بالليل،
وبالنهار فرسان.
فأخرج الله بهم من شاء من
العباد من عبادة العباد، إلى
عبادة رب العباد، ومن ضيق
الدنيا إلى سعة الآخرة، ومن
جور الأديان إلى عدل الإسلام،
فكانت خير أمة أخرجت للناس.
يباهي الله بهم ملائكته،
ويشرفهم بدخول جنته التي
غرسها بيده، ويكرمهم بالنظر
إلى وجهه الكريم، ويناديهم
بصوتٍ يسمعونه: (أُحلُّ عليكم
رضواني فلا أسخط عليكم
أبداً)[2]
صلى الله عليه وسلم، وفداه كل
طارف وتليد، وكل والدة ووالد
ووليد، وأنفسنا فداء له من
الوريد إلى الوريد.
أخوك عيسى دعا ميتا فقامَ له
*** وأنت أحْيَيْتَ أجيالاً
من الرِمَمِ
ماذا عسانا أن نتحدث عنه
ونحدّث وقد اجتمع فيه ما تفرق
من أخلاق الكرام، لا تحصى
فضائله، ولا اتعد مزاياه، وهو
خير خلق الله إنسانا، ما من
صفة كمال إلا اتصف بها، ولا
قبيحة إلا وتبرأ منها.
أقسم الله الصادق العليم بـ﴿النجم
إذا هوى﴾ على تزكية المصطفى
والثناء عليه،
فزكى عقله
﴿ما ضل
صاحبكم وما غوى﴾
وزكى قلبه
﴿ما
كذب الفؤاد ما رأى﴾
وزكى بصره
﴿ما
زاغ البصر وما طغى﴾
وزكى لسانه
﴿وما
ينطق عن الهوى﴾
وزكى رسالتَه
﴿إن هو
إلا وحي يوحى﴾
وزكى مُعلِّمَه
﴿علمه
شديد القوى، ذو مرة فاستوى﴾
وزكى أصحابه
﴿والذين معه أشداء على الكفار
رحماء بينهم﴾
وزكاه كله
﴿وإنك
لعلى خلق عظيم﴾
ووصفه بصفتين من صفاته
﴿بالمؤمنين رؤوف ف رحيم﴾
ونعته بالرسالة
﴿محمد
رسول الله﴾
وناداه بالنبوة
﴿يا
أيها النبي﴾
وشرّفَه بالعبودية
﴿سبحان
الذي أسرى بعبده﴾
وشهد له بالقيام بها
﴿وأنه
لما قام عبد الله يدعوه﴾
صلى الله عليه وسلم ... شرح
الله له صدره، ووضع عنه وزره،
ورفع له ذكره، وأتمّ أمره،
وأكمل دينَه، وبرّ يمينه.
ما ودّعه ربه وما قلاه؛ بل
وجده ضالاً فهداه، وفقيراً
فأغناه، ويتيماً فآواه.
وخيّره بين الخلد في الدنيا
ولقاه، فاختار لقاء مولاه،
وقال ((اللهم الرفيق
الأعلى))[3]
تالله ما حملت أنثى ولا وضعت
*** مثل الرسول نبي الأمة
الهادي
ولا برا الله خلقاً من بريته
*** أوفى بذمة جارٍ أو بميعاد
مِن الذي كان فينا يستضاء به
*** مبارَك الأمر ذا عدل
وإرشاد
صلى الله عليه وسلم ... ما
أضلَّ مَن كذبوه، وما أجهلَ
من بالسحر رموه، أو بالمس
اتهموه، وما أسخف من سخروا
منه واحتقروه!
أين قلوبهم؟ أم أين عقولهم؟
صدق الله ﴿لهم قلوب لا يفقهون
بها ولهم أعين لا يبصرون بها
ولهم آذان لا يسمعون بها
أولئك كالأنعام بل هم أضل﴾
اسألوهم إن كانوا صادقين: هل
كذب يوماً من الدهر أو خان أو
غدر؟
هل سب أحداً أو شتم أو ظلم؟
هل حسد أو حقد أو استكبر؟
اقرؤوا سيرتَه، واسبروا
سُنّتَه، وطالعوا هديه
وسمتَه، فلن تجدوا إلا نوراً
وصفاءً وضياء، وصدقاً وعفافاً
ووفاء، وبراً وكرماً وحياء.
صلّى عليه اللهُ ما عينٌ
بكَتْ *** شوقًا إليه، وما
بَدَا إشراقُ
حميدان بن عجيل الجهني
محرّم 1430
--------------------------------
[1] صحيح مسلم: 2865
[2] صحيح مسلم :2829
[3] البخاري:4463. ومسلم:
2444.