
عثمان
بن عفان
أحد
العشرة المبشرين بالجنة
" ألا أستحي ممن
تستحي منه الملائكة "
حديث شريف
إسلامه
كان عثمان
بن عفان -رضي الله عنه- غنياً شريفاً في الجاهلية ، وأسلم بعد البعثة
بقليل ، فكان من السابقين إلى الإسلام ، فهو أول من هاجر إلى الحبشة مع
زوجته رقيّة بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الهجرة الأولى
والثانية وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :( إنّهما لأوّل من
هاجر إلى الله بعد لوطٍ )( إن عثمان لأول من هاجر إلى الله بأهله بعد
لوطٍ )
وهو أوّل من شيّد المسجد ، وأوّل من خطَّ المفصَّل ، وأوّل من ختم
القرآن في ركعة ، وكان أخوه من المهاجرين عبد الرحمن بن عوف ومن
الأنصار أوس بن ثابت أخا حسّان
قال عثمان :( ان الله عز وجل بعث محمداً بالحق ، فكنتُ ممن استجاب لله
ولرسوله ، وآمن بما بُعِثَ به محمدٌ ، ثم هاجرت الهجرتين وكنت صهْرَ
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبايعتُ رسول الله فوالله ما عصيتُه
ولا غَشَشْتُهُ حتى توفّاهُ الله عز وجل )
الصّلابة
لمّا أسلم
عثمان -رضي الله عنه- أخذه عمّه الحكم بن أبي العاص بن أميّة فأوثقه
رباطاً ، وقال :( أترغبُ عن ملّة آبائك إلى دين محدث ؟ والله لا أحلّك
أبداً حتى تدعَ ما أنت عليه من هذا الدين )فقال عثمان :( والله لا أدَعُهُ
أبداً ولا أفارقُهُ )فلمّا رأى الحكم صلابتَه في دينه تركه
ذي النورين
لقّب
عثمان -رضي الله عنه- بذي النورين لتزوجه بنتيْ النبي -صلى الله عليه
وسلم- رقيّة ثم أم كلثوم ، فقد زوّجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
ابنته رقيّة ، فلّما ماتت زوّجه أختها أم كلثوم فلمّا ماتت تأسّف رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- على مصاهرته فقال :( والذي نفسي بيده لو كان
عندي ثالثة لزوّجنُكَها يا عثمان )
سهم بَدْر
أثبت له
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سهمَ البدريين وأجرَهم ، وكان غاب عنها
لتمريضه زوجته رقيّة بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-فقد قال الرسول
-صلى الله عليه وسلم- :( إن لك أجر رجلٍ ممن شهد بدراً وسهمه )
الحديبية
بعث
الرسول -صلى الله عليه وسلم- عثمان بن عفان يوم الحديبية إلى أهل مكة ،
لكونه أعزَّ بيتٍ بمكة ، واتفقت بيعة الرضوان في غيبته ، فضرب الرسول -صلى
الله عليه وسلم- بشماله على يمينه وقال :( هذه يدُ عثمان )فقال الناس
:( هنيئاً لعثمان )
جهاده بماله
قام عثمان
بن عفان -رضي الله عنه- بنفسه وماله في واجب النصرة ، كما اشترى بئر
رومة بعشرين ألفاً وتصدّق بها ، وجعل دلوه فيها لدِلاِءِ المسلمين ،
كما ابتاع توسعة المسجد النبوي بخمسة وعشرين ألفاً
كان الصحابة مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غزاةٍ ، فأصاب الناس
جَهْدٌ حتى بدت الكآبة في وجوه المسلمين ، والفرح في وجوه المنافقين ،
فلما رأى الرسول -صلى الله عليه وسلم- ذلك قال :( والله لا تغيب الشمس
حتى يأتيكم الله برزقٍ )فعلم عثمان أنّ الله ورسوله سيصدقان ، فاشترى
أربعَ عشرة راحلةً بما عليها من الطعام ، فوجّه إلى النبي -صلى الله
عليه وسلم- منها بتسعٍ ، فلما رأى ذلك النبي قال :( ما هذا ؟)
قالوا : أُهدي إليك من عثمان 0 فعُرِفَ الفرحُ في وجه رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- والكآبة في وجوه المنافقين ، فرفع النبي -صلى الله
عليه وسلم- يديه حتى رُؤيَ بياضُ إبطيْه ، يدعو لعثمان دعاءً ما سُمِعَ
دعا لأحد قبله ولا بعده :( اللهم اعط عثمان ، اللهم افعل بعثمان )
قالت السيدة عائشة -رضي الله عنها-: دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
عليَّ فرأى لحماً فقال :( من بعث بهذا ؟)قلت : عثمان 0 فرأيت رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- رافعاً يديْهِ يدعو لعثمان
جيش العُسْرة
وجهّز
عثمان بن عفان -رضي الله عنه- جيش العُسْرَة بتسعمائةٍ وخمسين بعيراً
وخمسين فرساً ، واستغرق الرسول -صلى الله عليه وسلم- في الدعاء له
يومها ، ورفع يديه حتى أُريَ بياض إبطيهفقد جاء عثمان إلى النبي -صلى
الله عليه وسلم- بألف دينار حين جهّز جيش العسرة فنثرها في حجره ، فجعل
-صلى الله عليه وسلم- يقلبها ويقول :( ما ضرّ عثمان ما عمل بعد اليوم )مرتين
الحياء
قال رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- :( أشد أمتي حياءً عثمان )
قالت السيدة عائشة -رضي الله عنها- : استأذن أبو بكر على رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- وهو مضطجع على فراش ، عليه مِرْطٌ لي ، فأذن له وهو
على حاله ، فقضى الله حاجته ، ثم انصرف ثم استأذن عمر فأذن له ، وهو
على تلك الحال ، فقضى الله حاجته ، ثم انصرف ثم استأذن عثمان ، فجلس
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصلح عليه ثيابه وقال :( اجمعي عليك
ثيابك )فأذن له ، فقضى الله حاجته ثم انصرف ، فقلت :( يا رسول الله ،
لم أركَ فزِعْتُ لأبي بكر وعمر كما فزعت لعثمان !!)
فقال :( يا عائشة إن عثمان رجل حيي ، وإني خشيت إنْ أذنْتُ له على تلك
الحال أن لا يُبَلّغ إليّ حاجته )وفي رواية أخرى :( ألا أستحي ممن
تستحيي منه الملائكة )
فضله
دخل رسـول
الله -صلى الله عليه وسلم- على ابنته وهي تغسل رأس عثمان فقال :( يا
بنيّة أحسني إلى أبي عبد الله فإنّه أشبهُ أصحابي بي خُلُقـاً )وقال
رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:( مَنْ يُبغضُ عثمان أبغضه الله )وقال
:( اللهم ارْضَ عن عثمان )وقال :( اللهم إن عثمان يترضّاك فارْضَ عنه )
اختَصّه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بكتابة الوحي ، وقد نزل بسببه
آيات من كتاب الله تعالى ، وأثنى عليه جميع الصحابة ، وبركاته وكراماته
كثيرة ، وكان عثمان -رضي الله عنه- شديد المتابعة للسنة ، كثير القيام
بالليل
قال عثمان -رضي الله عنه- :( ما تغنيّتُ ولمّا تمنّيتُ ، ولا وضعتُ يدي
اليمنى على فرجي منذ بايعتُ بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وما مرّت
بي جمعة إلا وإعتقُ فيها رقبة ، ولا زنيتُ في جاهلية ولا إسلام ، ولا
سرقت )
اللهم اشهد
عن الأحنف
بن قيس قال : انطلقنا حجّاجاً فمروا بالمدينة ، فدخلنا المسجد ، فإذا
علي بن أبي طالب والزبير وطلحة وسعد بن أبي وقاص 0 فلم يكن بأسرع من أن
جاء عثمان عليه ملاءة صفراء قد منع بها رأسه فقال :( أها هنا علي ؟)قالوا
: نعم 0 قال :( أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو أتعلمون أن رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- قال :( من يبتاع مِرْبدَ بني فلان غفر الله له ؟)فابتعته
بعشرين ألفاً أو بخمسة وعشرين ألفاً ، فأتيت رسـول الله -صلى الله عليه
وسلم- فقلت :( إني قد ابتعته ) فقال :( اجعله في مسجدنا وأجره لك ) ؟قالوا
: نعم
قال :( أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو أتعلمون أن رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- قال :( من يبتاع بئر روْمة غفر الله له ) فابتعتها
بكذا وكذا ، فأتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلت :( إني قد
ابتعتها )فقال :( اجعلها سقاية للمسلمين وأجرها لك )؟قالوا : نعم
قال :( أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو أتعلمون أن رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- نظر في وجوه القوم يوم ( جيش العُسرة ) فقال :( من
يجهز هؤلاء غفر الله له )فجهزتهم ما يفقدون خطاماً ولا عقالاً )؟قالوا
: نعم
قال :( اللهم اشهد اللهم اشهد )ثم انصرف
الخلافة
كان عثمان
-رضي الله عنه- ثالث الخلفاء الراشدين ، فقد بايعه المسلمون بعد مقتل
عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- سنة 23 هـ ، فقد عيَّن عمر ستة للخلافة
فجعلوا الأمر في ثلاثة ، ثم جعل الثلاثة أمرهم إلى عبد الرجمن بن عوف
بعد أن عاهد الله لهم أن لا يألوا عن أفضلهم ، ثم أخذ العهد والميثاق
أن يسمعوا ويطيعوا لمن عيّنه وولاه ، فجمع الناس ووعظهم وذكّرَهم ثم
أخذ بيد عثمان وبايعه الناس على ذلك ، فلما تمت البيعة أخذ عثمان بن
عفان حاجباً هو مولاه وكاتباً هو مروان بن الحكم
ومن خُطبته يوم استخلافه لبعض من أنكر استخلافه أنه قال :( أمّا بعد ،
فإنَّ الله بعث محمداً بالحق فكنت ممن استجاب لله ورسوله ، وهاجرت
الهجرتين ، وبايعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، والله ما غششْتُهُ
ولا عصيتُه حتى توفاه الله ، ثم أبا بكر مثله ، ثم عمر كذلك ، ثم استُخْلفتُ
، أفليس لي من الحق مثلُ الذي لهم ؟!)
الخير
انبسطت
الأموال في زمنه حتى بيعت جارية بوزنها ، وفرس بمائة ألف ، ونخلة بألف
درهم ، وحجّ بالناس عشر حجج متوالية
الفتوح الإسلامية
وفتح الله
في أيام خلافة عثمان -رضي الله عنه- الإسكندرية ثم سابور ثم إفريقية ثم
قبرص ، ثم إصطخر الآخـرة وفارس الأولى ثم خـو وفارس الآخـرة ، ثم
طبرستان ودُرُبجرْد وكرمان وسجستان ، ثم الأساورة في البحر ثم ساحل
الأردن
الفتنة
ويعود سبب
الفتنة التي أدت إلى الخروج عليه وقتله أنه كان كَلِفاً بأقاربه وكانوا
قرابة سوء ، وكان قد ولى على أهل مصر عبدالله بن سعد بن أبي السّرح
فشكوه إليه ، فولى عليهم محمد بن أبي بكر الصديق باختيارهم له ، وكتب
لهم العهد ، وخرج معهم مددٌ من المهاجرين والأنصار ينظرون فيما بينهم
وبين ابن أبي السّرح ، فلمّا كانوا على ثلاثة أيام من المدينة ، إذ همّ
بغلام عثمان على راحلته ومعه كتاب مفترى ، وعليه خاتم عثمان ، إلى ابن
أبي السّرح يحرّضه ويحثّه على قتالهم إذا قدموا عليه ، فرجعوا به إلى
عثمان فحلف لهم أنّه لم يأمُره ولم يعلم من أرسله ، وصدق -رضي الله عنه-
فهو أجلّ قدراً وأنبل ذكراً وأروع وأرفع من أن يجري مثلُ ذلك على لسانه
أو يده ، وقد قيل أن مروان هو الكاتب والمرسل !
ولمّا حلف لهم عثمان -رضي الله عنه- طلبوا منه أن يسلمهم مروان فأبى
عليهم ، فطلبوا منه أن يخلع نفسه فأبى ، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم-
كان قد قال له :( عثمان ! أنه لعلّ الله أن يُلبسَكَ قميصاً فإن أرادوك
على خلعه فلا تخلعه )
الحصار
فاجتمع
نفر من أهل مصر والكوفة والبصرة وساروا إليه ، فأغلق بابه دونهم ،
فحاصروه عشرين أو أربعين يوماً ، وكان يُشرف عليهم في أثناء المدّة ،
ويذكّرهم سوابقه في الإسلام ، والأحاديث النبوية المتضمّنة للثناء عليه
والشهادة له بالجنة ، فيعترفون بها ولا ينكفّون عن قتاله !!وكان يقول
:( إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عهد إليّ عهداً فأنا صابرٌ عليه
)( إنك ستبتلى بعدي فلا تقاتلن )
وعن أبي سهلة مولى عثمان : قلت لعثمان يوماً :( قاتل يا أمير المؤمنين
)قال :( لا والله لا أقاتلُ ، قد وعدني رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
أمراً فأنا صابر عليه )
واشرف عثمان على الذين حاصروه فقال :( يا قوم ! لا تقتلوني فإني والٍ
وأخٌ مسلم ، فوالله إن أردتُ إلا الإصلاح ما استطعت ، أصبتُ أو أخطأتُ
، وإنكم إن تقتلوني لا تصلوا جميعاً أبداً ، ولا تغزوا جميعاً أبداً
ولا يقسم فيؤكم بينكم )فلما أبَوْا قال :( اللهم احصهم عدداً ، واقتلهم
بدداً ، ولا تبق منهم أحداً )فقتل الله منهم مَنْ قتل في الفتنة ، وبعث
يزيد إلى أهل المدينة عشرين ألفاً فأباحوا المدينة ثلاثاً يصنعون ما
شاءوا لمداهنتهم
مَقْتَله
وكان مع
عثمان -رضي الله عنه- في الدار نحو ستمائة رجل ، فطلبوا منه الخروج
للقتال ، فكره وقال :( إنّما المراد نفسي وسأقي المسلمين بها )فدخلوا
عليه من دار أبي حَزْم الأنصاري فقتلوه ، و المصحف بين يديه فوقع شيء
من دمـه عليه ، وكان ذلك صبيحـة عيد الأضحـى سنة 35 هـ في بيته
بالمدينة
ومن حديث مسلم أبي سعيد مولى عثمان بن عفان : أن عثمان أعتق عشرين عبداً
مملوكاً ، ودعا بسراويل فشدَّ بها عليه ، ولم يلبَسْها في جاهلية ولا
إسلام وقال :( إني رأيتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- البارحة في
المنام ، ورأيت أبا بكر وعمر وأنهم قالوا لي : اصبر ، فإنك تفطر عندنا
القابلة )فدعا بمصحف فنشره بين يديه ، فقُتِلَ وهو بين يديه
كانت مدّة ولايته -رضي الله عنه وأرضاه- إحدى عشرة سنة وأحد عشر شهراً
وأربعة عشر يوماً ، واستشهد وله تسعون أو ثمان وثمانون سنة
ودفِنَ -رضي الله عنه- بالبقيع ، وكان قتله أول فتنة انفتحت بين
المسلمين فلم تنغلق إلى اليوم
يوم الجمل
في يوم
الجمل قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- :( اللهم إني أبرأ إليك من
دم عثمان ، ولقد طاش عقلي يوم قُتِل عثمان ، وأنكرت نفسي وجاؤوني
للبيعة فقلت :( إني لأستَحْيي من الله أن أبايع قوماً قتلوا رجلاً قال
له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:( ألا أستحيي ممن تستحيي منه
الملائكة )وإني لأستحي من الله وعثمان على الأرض لم يدفن بعد
فانصرفوا ، فلما دُفِنَ رجع الناس فسألوني البيعة فقلت :( اللهم إني
مشفقٌ مما أقدم عليه )ثم جاءت عزيمة فبايعتُ فلقد قالوا :( يا أمير
المؤمنين ) فكأنما صُدِعَ قلبي وقلت :( اللهم خُذْ مني لعثمان حتى ترضى
)
|