الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده
لاشريك له ، أحاط بكل شيء علماً ، وأحصى كل شيء عدداً
، وهو على كل شيء قدير .
له الحمد كله ، لامانع لما أعطى ، ولا معطي لما منع ،
ولا باسط لما قبض ، ولا قابض لما بسط ، ولا هادي لمن
أضل ، ولا مضل لمن هدى ، ولاينفع ذا الجد منه الجد .
والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد ،
وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين .
أمابعد .
ففي هذه الحلقة نتحدث اسم عظيم من أسماء الله الحسنى ،
وهو اسم ( الله ) جل جلاله وعز شأنه ، فإنه سبحانه أحق
من عبد ، وأحق من ذكر ، وأجود من سئل ، وأوسع من أعطى
.
والله تعالى هو المعبود بحقٍّ الذي تقصده كل الكائنات
، وتعنو لجلال هيبته كل المخلوقات ، فإذا خاف الإنسان
التجأ إلى الله مولاه ، وإذا افتقر اتجه إلى الله جل
في علاه ؛ وذلك أنَّ القلوب مفطورة على التوجه إليه ،
لكنَّها في حالات الرخاء يعلوها الران ، فإذا نزلت بها
نوازل القضاء اتجهت إلى الله وتركت كل ماسواه .
سأل رجلٌ الإمام جعفر الصادق رحمه الله ، فقال له : يا
إمام من هو الله ؟ !
فقال له: ألم تركب البحر ؟ قال : بلى .قال : هل حدث
مرة أن هاجت الريح عاصفة ؟قال : نعم . قال : وانقطع
أملك من الملاحين ووسائل النجاة ؟قال : نعم . قال :فهل
خطر في بالك وانقدح في نفسك أن هناك من يستطيع أن
ينجيك إن شاء ؟ قال : نعم . قال : ذلك هو الله !.
ومصداق ذلك في كلام الله عز وجل ( وَإِذَا مَسَّكُمُ
الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا
إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ
أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْأِنْسَانُ كَفُوراً ) [الإسراء
: 67] .
إنَّ الإنسان في ذلك الموقف ينسى كل أحدٍ ، ويغفل عن
كل شيء ، ولا يجد في قرارة نفسه إلاَّ أن هناك إلهاً
عظيماً قادراً على أنْ ينَّجيه إذا شاء .
إنّه الله - سبحانه - الذي لا يخيب معه رجاء ، ولا
يضيع عنده سعي ، ولا يرد عن بابه واقف ، عزُ كل ذليل ،
و قوةُ كل ضعيف ، و مفزعُ كل ملهوف ، من تكلم سمع نطقه
، ومن سكت علم سره ، ومن عاش فعليه رزقه ، ومن مات
فإليه منقلبه . لا إلـه إلا هو الرحمن الرحيم .
والألوهية : هي التوجه إلى الله سبحانه وتعالى وحده
بالرغبة والرهبة ، والخوف والرجاء ، والحب . وقد جعلها
الله حكمة خلق الجنِّ والإنِّس ، فالله سبحانه وتعالى
خلق الخلق ليعبدوه وحده ، وهو - سبحانه -يذكر في كتابه
الكريم : أنه لم يخلق الإنِّس والجنَّ إلاَّ لذلك (
وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا
لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ
وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ
الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ) [الذاريات :
56-58] .
وكلمة ( لا إله إلاَّ الله ) اشتملت هذا الاسم الكريم
، على اسم ( الله سبحانه وتعالى ) وتضمنت حكمة الخلق
وهذه الكلمة لعظم ما تضمنته من اسمه سبحانه وما اشتملت
عليه من معانٍ ، إذا وزنت لا يثقلها شيء ، وإذا فقدت
فلا يقوم مقامها شيء . فقد ورد في حديث البطاقة عن عبد
الله بن عمرو رضي الله عنه قال : قال رسول صلى الله
عليه وسلم : " إنِّ الله سيخَّلصُ رجلاً من أمتي على
رؤوس الخلائق يوم القيامة ، فينشر عليه تسعة وتسعين
سجلاً كل سجل مثل مد البصر ، ثم يقول أتنكر من هذا
شيئا أظلمك كتبتي الحافظون ؟ فيقول : لا يا رب . فيقول
: أفلك عذر؟ فيقول : لا يا رب . فيقول : بلى إنَّ لك
عندنا حسنة فإنَّه لا ظلم عليك اليوم ، فتخرج بطاقة
فيها أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنَّ محمداً عبده
ورسوله فيقول: احضر وزنك . فيقول :يا رب ما هذه
البطاقة مع هذه السجلات . فقال : إنك لا تظلم قال
فتوضع السجلات في كفه والبطاقة في كفه فطاشت السجلات
وثقلت البطاقة فلا يثقل مع اسم الله شيء ".[1] .
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال: " قال موسى : يا رب علمني شيئا
أذكرك به وأدعوك به .قال : قل يا موسى لا إله إلا
الله.قال : يا رب كل عبادك يقول هذا .قال : قل لا إله
إلا الله .قال :إنما أريد شيئا تخصني به .قال : يا
موسى لو أنَّ أهل السماوات السبع والأرضين السبع في
كفة ولا إله إلا الله في كفة مالت بهم لا إله إلا الله"
[2].
إن المداومة على هذه الكلمة مع يقين القلب لمعانيها ،
وتحقق الجوارح بالعمل لما تدل عليه ألفاظها ومبانيها ،
يجدد ما اندرس من معالم الإيمان في القلب ، ويكسوه
نوراً ، ويملؤه يقيناً ، ويفتح له من الأسرار مايعرفها
كل مؤمن موحد ، ولاينكرها إلا كل جائر ملحد .كيف لا ،
وهذه الكلمة هي القطب التي تدور عليه رحى الإسلام ،
والأساس الذي تبنى عليه بقية الأعمال، والمفتاح التي
يجوز به كل مؤمن موحد إلى الجنة دار السلام .
آثار الإيمان بهذا الاسم .
1- أنَّ الإيمان بالله
سبب السعادة والنعيم ، قال الله جل وعلا : ( مَنْ
عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ
مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ) [النحل
:97] . فالروح لا تأنس ولا تفرح ، ولا يذهب بهمها
وقلقها إلاَّ الإيمان بالله ، وبقدرتحصيله تكون
السعادة . فالسعادة سببها الإيمان بالله ، والرضا عنه
في مواطن الجزع والكرب ، سعادة أظلت أصحابها بأجنحتها
أشبه بسعادة المتقين عند ربهم في جنات النعيم .
إنَّ الإيمان بالله هو دوحة السلام الخضراء ، التي
يفيء إليها الضاحون من نفحات الحياة وزفراتها ؛ ولذا
كانت الحياة بدون إيمان هجير محرقة ، أو ظلمة موحشة .
(إنَّ السعادة هي جنة الأحلام التي ينشدها كل أحد ،
وقد طلبها كثيرون ، لكنَّ أكثرهم يطلبونها في غير
موضعها ، فيعودون كما يعود طالب اللؤلؤ في الصحراء ،
صفر اليدين ، مجهود البدن ، كسير النفس ، خائب الرجاء
. فقد جرب الناس في شتى العصور ، ألوان المتع المادية
، وصنوف الشهوات الحسية ، فما وجدوها تشفي عليلاً ولا
تروي غليلاً .
وفي إحدى المجلات نشر تحقيق صحفي منذ سنوات بعنوان :
أهل الجنة - سكان السويد- ليسوا سعداء! .فلماذا لم يكن
هؤلاء سعداء مع ما هم فيه من رغد العيش ، وكمال المتع
وانتشارها ، وتعددها من كل صنف ، ومن كل لون ؟ لأنهم
يعيشون حياةً قلقة ، كلها ضيق وتوتر ، وشكوى وسخط ؛
ولذا يهرب هؤلاء من حياتهم إلى الانتحار . وأمريكا
التي هي أغنى بلاد العالم على الرغم مما فيها من
ناطحات السحاب ، ومراكب الفضاء ، و ألوان المتع ، لم
تستطع أن تحقق لأبنائها السعادة ، حتى قال بعض مفكريها
:
إنَّ الحياة في نيويورك غطاء جميل لحالة من النعاسة
والشقاء !!
إنَّ كثرة المال ، وكثرة الأولاد ، وكثرة المتع ليست
سبباً للسعادة ، وليست العنصر الأول فيها ، بل ربما
كانت كثرة المال وبالاً على أصحابه في الدنيا قبل
الآخرة ، وهكذا هو حال من جعل الدنيا أكبر همه ، ومبلغ
علمه ، ومنتهى أمله دائماً معذب النفس ، متعب القلب ،
مثقل الروح ، لا يغنيه قليل ، ولا يشبعه كثير .
إنَّ السعادة شيء داخل الإنسان ، لا يرى بالعين ، ولا
يقاس بالكم ، ولا تحويه الخزائن ، ولا يشترى بالدينار
ولا بالدرهم ، السعادة شيء يشعر به الإنسان بين جوانحه
، صفاء في النفس ، واطمئنان في القلب ، وانشراح في
الصدر .
وقد ذكروا أن زوجاً غاضباً على زوجته ، قال لها
متوعداً : والله لأشُقِينَّك .فقالت الزوجة: إنك لا
تستطيع أن تشقيني كما أنك لا تملك أن تسعدني .
فقال لها : وكيف لا أستطيع ؟
فقالت: لو كانت السعاة في مال ٍ لقطعته عني ، أو في
زينة أو حلي لأخذته مني ، ولكنها في شيءٍ لا تملكه أنت
، ولا الناس أجمعون . فقال لها في دهشة : وما هو ؟
فقالت : إني أجد سعادتي في إيماني ، وإيماني في قلبي ،
وقلبي لا سلطان له عليه غير ربي !
هذه الحياة الحقيقية التي لا يملك بشر أن يعطيها ، ولا
يملك أحد أن ينتزعها ممن أوتيها . إنها سعادة الإيمان
بالله التي وجدها أحد المؤمنين وصرَّح بها قائلاً :
إننا نعيش في سعادة لو علم بها الملوك لجالدونا عليها
بالسيوف . وقال آخر وهو في قمة السعادة الإيمانية التي
ملأت عليه أقطار نفسه : إنه لتمر علي ساعات أقول فيها
:
لو كان أهل الجنة في مثل ما أنا فيه لكانوا في عيش طيب
!
وإذاكانت السعادة شجرة منبتها النفس الإنسانية ؛ فإن
الإيمان بالله ، والدار الآخرة هو : ماؤها وغذاؤها ،
وهواؤها وضياؤها [3] .
فالإيمـان بالله عز وجل هو باب السعـادة الأعظم .
ومفتاح هذا الباب أن تتعرف على الله جل جلاله وتقدست
أسماؤه .
اللهم يامولانا أسعدنا بمعرفتك ، وشرفنا بطاعتك ،
ولاتشقينا بمعصيتك .
اللهم آتنا في الدنيا حسنة ، وفي الآخرة حسنة ، وقنا
عذاب النار.
2- أن ذكر الله سبحانه
وتعالى سبب لطمأنينة القلب ، وانشراح الصدر ، قال الحق
سبحانه :
( أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ )
[الرعد : 28 ]
وهذا مشاهد مجرب عند المؤمنين ، ولا يوجد عمل أشرح
للصدر كدوام ذكر الله تعالى ، فبذكر الله سبحانه تنقشع
سحب الخوف والحزن والهم ، و تزول جبال الكرب والغم
.وقد قيل لرجل كان يكثر من ذكر الله عزوجل : أمجنون
أنت ؟ فقال : هذا دواء الجنون !. فما على من أُثقل
كاهلُه بالهموم ، وناء ليله من مقاساة الأحزان
والشدائد ، إلا أن يسرع إلى مولاه ويلوذ بحماه .عن
سعدرضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : « دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت : لا
إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فإنه لم يدع
بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له » [4].
وعن بن عباس رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه
وسلمكان يدعو بهن عند الكرب : « لا إله إلا الله
العظيم الحليم ، لا إله إلا الله رب العرش العظيم ، لا
إله إلا الله رب السماوات ورب العرش الكريم » [5]
وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان
إذا حزبه أمر قال : « ياحي ياقيوم برحمتك أستغيث » [6]
وعن أبي بكرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال : « دعوات المكروب : اللهم رحمتك أرجو
فلاتكلني إلى نفسي طرفة عين . وأصلح لي شأني كله لا
إله إلا أنت » [7]
3- أن البعد عن الله سبب
الشقاء والحيرة .
كثيرٌ هم الذين هربوا من الرق لربهم الذي خلقهم ورزقهم
، فكان الشقاء والحيرة قريناً لهم ، وقد اختلفت في
التعبير عن ذلك أساليبهم ، حتى قال قائلهم : جئت لا
أعلم من أين ، ولكني أتيت . ولقد أبصرت أمامي طريقاً
فمشيت . وسأبقى سائراً إن شئت هذا أم أبيت . من أين
جئت ، من أين أبصرت طريقي لست أدري ؟
يالله لِحالِهم !! إنها حال الأشقياء البعداء المعرضين
، حالٌ تُصم السميعَ ، وتُعمي البصيَر ، ويُسأل من
مثلِها العافية . وصدق الله - جل وعلا - إذ يقول :
(وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً
ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى *
قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ
بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا
فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى *
وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ
بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ
وَأَبْقَى ) .[ طه : 124 – 127]
4- أن الإيمان بالله
يجعل عند المؤمن ثقة بالله ، أنه يعينه ، ويكلأه ،
ويحفظه ، وينصره ، وأنه سبحانه لا يخذله ، ولا يضيعه ،
ولا يتركه ، ولايسلمه لعوادي الأيام ، ولا لصروف الدهر
. والله عند ظن عبده به ، فالمؤمن لايخاف على رزق أن
ينقطع ، ولا على أجلٍ أن ينقضي ، فالإنسان ليس هو الذي
كفل نفسه إذ كان جنيناً يوصلُ اللهُ إليه ألطافه
وأرزاقه وطعامه وشرابه .
سهرت عيون ونامت عيـون
*** في شؤون تكون أو لا
تكون .
إن رباً كفاك بالأمس ما كان ***
سيكفيك في غـدٍ ما يكـون .
فالمؤمن دائماً واثق بالله ، محسن
الظن به . والله عز وجل عند ظن عبده به فليظن العبد
بربه ماشاء .
5- مع الله سبحانه
وتعالى تهون المصاعب والمصائب .
مع الله سبحانه وتعالى يهون على المؤمن المصاب ، وتسهل
عليه الصعاب ، فيقدم عليها ، طيب القلب ، رابط الجأش ؛
لأنه مع الله . إن سحرة فرعون رأوا من فرعون هولاً
عظيماً ، و سمعوا منه توعداً كبيراً ، أرادهم على أن
يتركوا دينهم الذي اقتنعوا به ، وأن يكفروا بربهم الذي
آمنوا به ، ربهم الذي فطرهم فوجدوا الأمن في قربه
وذاقوا من حلاوة الإيـمان ما طغى على مرارة العذاب
فقالوا :
( لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ
الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ
قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا
* إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا
خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ
السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى * إِنَّهُ مَنْ
يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا
يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى * وَمَنْ يَأْتِهِ
مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ
لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى ) [ طه : 72 – 75] فلما
سمت أرواحهم ، وعلت همتهم ، وشعروا بشرف معية الله لهم
، هانت عليهم أنفسهم في ذات الله . فمع الله تهــون
المصاعب والمصائب .
فلـيتك تحلو والحـياة مــريرة ***
وليتك تـرضى والأنـام غضاب
وليـت الذي بيني وبينك عامـر ***
وبيني وبـين العـالمـين خراب.
إذا صح منك الود فالكــل هين *** وكـل الذي فوق التراب
تراب .
وفي صفحات التاريخ صحابي بطل لسان
حاله : لانبالي مادمنا مع الله ، ولو آلمونا ولو
أحرقونا و لوقطعونا . وما دمنا مع الله وهو راض عنا
فالكل هين . ولسان مقاله :
ولسـت أبالي حين أُقـتَل مسلماً
*** على أي جنبٍ كان في الله مضجعـي
وذاك في ذات الإلـه وإن يـشـأ *** يـبارك على أوصـال
شلوٍ ممـزع
وأما بلال رضي الله عنه فغلبت حلاوة إيمانه آلالامَه
وجراحَه فما يبالي حر الظهيرة المحرقة في صحراء مكة
الملتهبة فكان يعبر عن محبوبه بكلمات لايحسنها إلا من
عاش مع الله . أحدٌ أحدٌ أحدٌ أحدٌ .
وامتحن ابن البابلسي فسجنه الفاطميون وصلبوه لتمسكه
بالسنة .قال أبو ذر الحافظ :سمعت الدارقطني يذكره
ويبكي ويقول : كان يقول وهو يسلخ ω كَانَ ذَلِكَ فِي
الْكِتَابِ مَسْطُوراً ω (الاسراء:58) أمروا يهودياً ،
فسلخه من مفرق رأسه حتى بلغ الوجه وكان يذكر الله
ويصبر حتى بلغ الصدر ، فرحمه اليهودي ، فوكزه بالسكين
موضع قلبه ، فقضى عليه ، ولما سلخ كان يسمع من جسده
قراءة القرآن !! [8]
فليهنأ أيها المؤمن عيشُك ، وليعذب موردُك ؛ فإنك مع
الله ، ومن كان مع الله فلا يضيره مافقد .
6- أن اسم الله سبحانه
وتعالى اسم عظيم مبارك ، لا يذكر على قليل إلاَّ كثره
، ولا على يسير إلا كثره ولا على مريض إلاَّ شفاه ...
ولا مصاب إلا نفعه وعافاه بإذن الله سبحانه وتعالى.جاء
عثمان بن أبي العاصرضي الله عنه إلى النبي صلى الله
عليه وسلم فقال : يا رسول الله : وجع أجده في جسدي منذ
أسلمت فقالصلى الله عليه وسلم:« ضع يدك على الذي تألم
من جسدك ، وقل : بسم الله . ثلاث مرات ، وقل : أعوذ
بالله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر . قال : ففعلته ،
فأذهب الله عني ما أجد » [9]
. وعن أبي هريرةصلى الله عليه وسلم أن رجلاً قال
يارسول الله : مالقيت من عقرب لدغنتي البارحة ؟فقال
صلى الله عليه وسلم : « أما لوقلت حين أمسيت أعوذ
بكلمات الله التامات من شرما خلق لم يضرك شيء » [10]
.
7- إن على المؤمن إذا
عرف ربه بهذا الاسم واستشعر هذه المعاني ألاَّ يلتفت
إلى غيره، وأن لا يرجو سواه سبحانه وتعالى ، وأن لا
يخاف إلاَّ منه سبحانه وتعالى وذلك أن الإيمان بالله
تعالى يعمر القلب بالثقة به سبحانه وتعالى ، ويملئه
رغبة فيما عنده ، ويجعل الإنسان يهتف باسمه في صباحه
ومسائه ، وبكوره وأصائله : أن يتولى أمره ، وأن يسدد
خطاه ، وأن ييسر له سبيل الخلاص من عدوه الذي نزل دار
أمنه وسكونه .
اللهم لا تجعل أملنا إلا فيك ، ولا توكلنا إلا عليك ،
ولا ثقتنا إلا بك ، ولارجاء نا إلا بما في يديك ، ولا
حبنا إلا لك ، ولا خوفنا إلا منك .
اللهم اجعلنا أغنى خلقك بك ، وأفقر خلقك إليك . يا من
لايزداد على كثرة السؤال إلا جوداً وكرماً. ولايزداد
على كثرة الحوائج إلا تفضلاً وإحساناً ، تقبل منا ،
وارض عنا . ياكريـم .
اللهم صل على نبينا محمد .والحمد لـله رب العـالمين .
----------------------------
[1] رواه الترمذي في جامعه 5/24، رقم ( 2639 ) وقال :
هذا حديث حسن غريب . ورواه ابن ماجه في سننه 2/1437،
رقم (4300 ) ، وابن حبان 1/46 ، رقم (225) ، والحاكم
1/41 ، رقم (9 ). والحديث صححه ابن حبان و الحاكم ،
وقال الذهبي : هذا على شرط مسلم .
[2] رواه الترمذي 5/ 572 ، رقم (3585 ) ، ورواه ابن
حبان في صحيحه 14/102 ، رقم (18 62) والحديث صحيح .
ينظر : السلسلة الصحيحة : 4/6 ، رقم (1503) .
[3] ينظر : كتاب الإيمان والحياة ص:83-92 بتصرف
واختصار