تواصل معنا عبر :

  • اخر الاخبار

    الأربعاء، 26 أكتوبر 2016

    تمثيل الأنبياء والصحابة


     

    تمثيل الأنبياء والصحابة

    ولماذا الجديد؟!

     

    إسلام عبدالتواب

     
    قرأتُ باهتمام مقال الأستاذ عصام تليمة حول موضوع تمثيل شخصيات الأنبياء والصَّحابة، والذي قام موقع "إسلام أون لاين" بنشره منذ عدَّة أسابيع، ثم أعاد نشره من جديد هذه الأيَّام، ولأنَّ الموضوع جِدُّ مهمٍّ؛ فقد أردتُ أن أَذْكُر بعض الملاحظات على هذا المقال.
    الدافع:
    من المعروف أنَّ إعادة البحث في أمرٍ ما، سواء في ذلك الفتاوى الشَّرعية، أو الأمور العلمية، أو حتى السياسيَّة - مرتبطة بظهور أسباب وأدلة تدفع إلى إعادة البحث من جديد، ولكنَّ الكاتب في مقالِه لم يُبْرِز لنا السَّبب الذي جعله يُعِيد طَرْح الأمر على مائدة البحث؛ فليس هناك جديدٌ في الأمر؛ فالأفلام والمُسَلسلات التي تتناول الأنبياء والصحابة ما تزال تُقدَّم في السينما والتِّلفاز، وليس هناك أيُّ شكوى من الجمهور من عدم التواصل مثلاً مع الشخصيات، أو أنه - أي: الجمهور - لا يتأثَّر بتلك الشخصيات العظيمة، بل العكس هو الصحيح؛ فقد اعتاد الجمهور عدم تمثيل الأنبياء والصَّحابة، والاستعاضة عنهم بمصدر يشعُّ نورًا مثلاً، أو يُشخَّص آخَرُ يقوم بدور الرَّاوي، وهذا ما أسهم في غرس احترام أكبر لهذه الشَّخصيات العظيمة في نفوس المسلمين.
    إذًا؛ لَمْ يُقدِّم لنا الكاتب ما يعد سببًا مُقْنِعًا لإعادة البحث، ولا أظن الكاتب قد سمع رأيًا لبعض أهل الفنِّ يطالِب بهذا؛ وذلك لأنَّ الكاتب يَعْرف - كما نعرف - أنهم لو طلبوا ذلك سيكون هذا رغبة منهم في إجراء سائر تصوُّراتهم للدِّراما على هذه الشخصيات العظيمة؛ فكما يُغيِّرون من سيرة الشخصيات التاريخية الكبرى؛ فيحوِّلونهم إلى عُشَّاق لا يشغل بالَهم إلاَّ المحبوبة، وتتحوَّل الملاحم والانتصارات التاريخية الإسلامية العظيمة على أيديهم إلى ملاحم في العشق والغرام، كفيلم "وا إسلاماه"، مثلاً، أو تتحوَّل الشخصيات العظيمة السامية إلى شخصيات دنيئة لا يشغلها إلاَّ الصِّراعات والدَّسائس، والتخلُّص من الغُرَماء بأخسِّ الطُّرق كما في التاريخ الغربي؛ سنجد شخصيات الأنبياء والصحابة الكرام - إنْ قَبِلنا بتمثيلهم - يجري عليها ما جرى على هؤلاء.
    فَخُّ العنوان والمقدمة:
    أما العنوان فهو - في رأيي - فَخٌّ كبير؛ فقد عبَّر الكاتب عن رأيه بأنه اجتهاد جديد، وهو يَعْنِي به - كما سنعرف من المقال - رغبته في تغيير الفتوى، رغم أنَّ الاجتهاد الجديد يعني ظهور أدلَّة تولِّد نظرة جديدة ربما تؤدِّي إلى تثبيت الحكم والفتوى، وتأكيدهما بظهور أسباب أخرى تعضِّدهما، وليس لازمًا أن يؤدِّي الاجتهاد الجديد إلى تغيير الفتوى والحكم.
    بالإضافة إلى ذلك فإنَّ لفظ "الجديد" يُثِير في النفس مشاعر تؤدِّي للاستحسان؛ وذلك للارتباط الذِّهني بين الجديد والحسَن، وبين القديم والرَّديء المتهالك؛ وبهذا فإنَّ العنوان قد يهيِّئ النفوس ويرغِّبها في الرأي الذي أتى به الكاتب بدون التمعُّن في الأدلة التي يُقدِّمها؛ ولذلك كان الأوفق أن يُعَنْوِن الكاتب المقال بأنه اجتهاد مختلف، أو نظرة مختلفة... إلى آخِر هذه المعاني المحايدة والمناسبة للمقال العلمي.
    أمَّا المقدمة فقد حوت أشكالاً أخرى من الفخاخ؛ حيث حاولت - قبل تقديم الأدلة ومناقشتها - أن تهيِّئ نفوس القارئين للرأي الجديد؛ فقد قال الكاتب: "والموضوع شائكٌ بلا شكٍّ، بما يمثِّله من حجر عَثرة متمثِّلاً في موقف المشايخ والمجامع الفقهية، والتراث الفقهي المعاصر في تناول المسألة تحريمًا وتشدُّدًا".
    فقد قام الكاتب بتنفير القُرَّاء من الفتوى الأصلية بوصفه موقف المشايخ والمجامع الفقهية أيضًا بأنه "حجَر عثرة"؛ إذًا فلا بُدَّ أن يهجر القُرَّاء رأي المجامع الفقهية بأكملها، والمشايخ أيضًا؛ ليقتنعوا برأي الكاتب ما دام رأيه هو الاجتهاد الجديد (المتنوّر)، ولو لم يكن له دليل!!
    وكذلك وصف موقف التراث الفقهي من المسألة بأنه تناولها "تحريمًا وتشددًا"، وكلنا ينفر من وصف التشدُّد، وكأن تحريم أمرٍ ما لمخالفته للشرع بالدليل هو تشدُّد، وأن إباحته ولو بدون دليل هو قمَّة التيسير والسماحة!!
    أما قِمَّة التهيئة للقُرَّاء بتنفيرهم من فتوى العلماء؛ فقد جاء بربط الكاتب في المقدِّمة بين هذه الفتوى وبين الموقف السياسي للدولة العثمانية، بقوله: "كان أوَّل قرار سياسي بمنع تمثيل شخصيات الأنبياء، في عهد الخلافة العثمانية"، ونحن نعلم ضيقنا جميعًا من التدخُّل السياسي المرتبط في ذهننا بظلم وطغيان الأنظمة الحاكمة.
    مناقشة الأدلة:
    وبعد تهيئة الكاتب للقرَّاء لتقبُّل رأيه، وهذا - في الحقيقة - يُنافي تمامًا الأُسُسَ العلمية للبحث في المسائل الشرعية، والعلمية التجريبية أيضًا؛ فينبغي أن أُورِد الأدلة أولاً ثم أناقشها؛ حتى يحصل الاقتناع، لا أن أسوق العديد من المؤثِّرات النفسية التي لا علاقة لها بالأمر حتى يَقْبل الناس آرائي دون تمحيص.
    أقول: بعد أن هيَّأ الكاتبُ القرَّاء لقبول رأيه، بدأ يذكر رأيه في فتاوى العلماء الأجلاء والمجامع الفقهية الكبرى؛ فماذا قال؟
    لقد قال: "إن نظرة فاحصة على كلِّ الفتاوى التي صدرت في الموضوع، نجدها فتاوى متأثِّرة بظرف معيَّن، ونظرة معينة للتمثيل، وبيئته، والقائمين عليه، وما تُمَثِّله هذه الخلفية عند الناس من صورة معيَّنة، ألقت بظلالها على فكر كلِّ مُفْتٍ أفتى في هذه المسألة".
    وأعجب مما ذكَره الكاتب؛ فهو بدايةً يعتبر أنَّ كل العلماء والمَجامع الفقهية تأثَّرت بظرف معيَّن، وليس فيها مجمع ولا عالم استطاع التخلُّص من تأثير الظروف عليه، ويتجرَّد لذكر الحقِّ كما يراه من خلال الدليل، هكذا على الإطلاق بدون استثناء، بل يؤكِّد أنها نظرة فاحصة على "كل الفتاوى"، وهذا اتِّهام غريب لا يليق بهؤلاء العلماء وتلك المجامع.
    أضف إلى ذلك أن الكاتب لم يذكر أصلاً هذا الظرف الغريب الذي أثَّر على كلِّ العلماء حتى أفقدهم منهجيتهم العلمية؛ وأنا أتساءل: ما هذا الظرف العجيب؟

     
    أمَّا ذِكْر الكاتب للنظرة المعينة للتمثيل وبيئته والقائمين عليه؛ فهذا من أغرب ما كتب؛ فهل يرى الكاتب أن أهل الفن في بلاد المسلمين (منذ نشأة السينما والتلفاز) مشغولون بنشر الإسلام وتبييض صورته، وإشاعة الفضيلة، وحَضِّ المسلمين على التأسي بالرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأصحابه الكرام؟!
    إن كان يرى هذا فهو إذًا لا يعيش في بلادنا، ولا يعلم شيئًا عن واقعنا، وإن كان يعلم الحقيقة فلم كتب ما كتبه؛ هل رغبة في التجديد ولو بدون دليل؟!!
    الملاحظات:
    ثم يأتي الكاتب في ملاحظاته ليكرِّر الاتهام للعلماء بالسَّير وراء العاطفة، هكذا دون أن يذكر دليلاً واحدًا، ثم يتَّهمهم بما هو أسوأ وأشنع؛ حيث قال:
    "1- يُلاحَظ أن معظم آراء المانعين قامت على العاطفة، وليست على الدليل الواضح البيِّن المبني على أدلة من كتاب أو سُنَّة، أو نقل من التراث.
    2- كما أنها تأثَّرت كثيرًا بما لدى العامَّة من شعور، وتصوُّر للموضوع، وكأن رؤية العامَّة مؤثِّرة في الفتوى، لا العكس.
    3- أنها كانت متشدِّدة بصورة مبالغ فيها، وغير مبرَّرة، ومبنية على هواجس وظنون، وتخَوُّفات، لا على حقائق ويقينيات مدروسة.
    4- أنها كانت مسبوقة بعاصفة من الرَّأي العامِّ القائم على غضب الجماهير، وحساسيتها من القضية، وتَبِع هذا العاطفة الجماهيرية، والغضبة الشَّعبية: منْع سياسي، فاجتمع على الباحثين - فيما بعد في القضية - ضَغْطان شديدان يَعُوقان الباحث عن تأمُّل القضية، بعيدًا عن هذه المؤثِّرات: ضغط السلطة، وضغط الجماهير، وكلاهما مؤثِّر شديد يُوجِّه فتوى المفتي، ورؤية الفقيه".
    فعند الكاتب يَعُدُّ التحريم لأمر ما تشدُّدًا؛ وهكذا ينبغي علينا حذف كلِّ ما حرم الله في كتابه وسُنَّة نبيِّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - لنصير مُيَسِّرين متسامحين متحضِّرين في رأي الكاتب!!
    أما الاتِّهام بأنهم يسيرون وراء عواطف العامة، فهذا اتِّهام لا يقلُّ عن الاتهام لعالِمٍ ما بأنه يسير وراء رغبات السُّلطان؛ فكلاهما جريمة، وكلاهما إخضاع لِشَرع الله تعالى لرغبات البشر؛ والكاتب في السطر الأخير مما نقَلْتُه عنه قد جمع على العلماء الاتِّهام بِكَلا الأمرين: الخضوع للسُّلطة والخضوع للجماهير الغوغائية طبعًا.
    فهل يمكن اتِّهام كلِّ علماء المسلمين ومَجامعهم الفقهية بهذا الاتِّهام الجائر؟!!

     
    ومَن بقي مِن علماء المسلمين محافظًا على الدين، ويستحق الاحترام إذًا؟!
     
    الاستدلال العجيب:
    حتى هذه اللَّحظة كال الكاتِبُ الاتِّهامات من كلِّ صنف ولون لعلماء المسلمين، وفي نفس الوقت لم يقدم لنا دليلاً واحدًا يُقْنِعنا به برأيه، وعندما أراد أن يأتي بشيء يعضِّد به رأيه جاء بالعجب العُجاب!!
    فقد جاء بفتوى للشِّيعة، وهو حتى لا يعرف عَلامَ بنَوْا رأيهم فيها، ولكننا بعيدًا عن الدليل نتساءل:
    منذ متى أصبحت فتاوى الشِّيعة ذات قيمة لدينا؟!
    هل لأن الكاتب من دُعاة التقريب؛ فهو يريد فَرْض آرائه وآراء الأقرباء منه علينا؟!
    إن الشِّيعة - كما هو معلوم، حتى عند دُعاة التقريب - يَسُبُّون الصحابة - رضوان الله عليهم - ويَلْعنونهم جميعًا، فيما عدا نفرًا قليلاً منهم - أيْ: من الصحابة - فلن يهتمَّ الشِّيعي إذًا أن يتم تمثيل الصحابة على الشَّاشة أم لا؛ فالصحابي شخص ملعون وكاذب وغاصِبٌ للحقوق كما يَرى الشِّيعي في دينه!!
    استطراد واجب:
    أمَّا موضوع الاستدلال بآراء علماء الشِّيعة، فهناك استطرادة تجب علينا؛ حيث يعتمد دُعاة التقريب على فتوى الشيخ محمود شلتوت - رحمه الله - بجواز التعبُّد بالفقه الجعفري، وهذه الفتوى - إن صحَّ صدورها منه، وأنا أعلم أن الكاتب له مقال في تأكيد صدورها - لا تَعْني جواز استدلالنا بفتاواهم ولا مذهبهم؛ وذلك لأنَّ الفقه الجعفري - في الحقيقة - هو ما صحَّ من آراء الإمام جعفر الصادق - رحمه الله ورضي عنه - لا ما نُسِب إليه زورًا، والإمام جعفر الصادق هو في الحقيقة رجل مسلم من أهل السُّنَّة، فهو لم يكن من الشِّيعة، ولم يكن يسبُّ الصَّحابة، ولا يتَّهم السيدة عائشة - رضي الله عنها - بالفحشاء، ولا يَكْفر بالقرآن ويتَّهم الصحابة بتحريفه، ولا يضيف إليه شيئًا من عنده، ولم يكن يكذب على رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وينسب إليه ما لم يقله.... إلخ.
    لهذا كُلِّه فالإمام جعفر الصادق هو من أئمَّة المسلمين السُّنة، مثل الأئمة أبي حنيفة ومالكٍ والشافعي وأحمد - رحمهم الله جميعًا - وليس في اتِّباع ما صحَّ من مذهبه حُجَّة للأخذ بفتاوى الشيعة.
     
    مناقشة رأيه في المسألة:
    وعندما ذكر الكاتب رأيه قال ما معناه: إنَّ اهتزاز صورة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في نظر المسلمين إذا قام أحدٌ بتمثيل شخصيته - أمْرٌ غير صحيح ومشكوك فيه؛ فيما يعني ضمنًا أنه مع جواز تمثيل شخصيات الأنبياء - صلَّى الله عليهم وسلَّم جميعًا.
    ومَن يتابع المثال الذي ذكره الكاتب يجد ضدَّ ما أراد؛ فقد ضرب مثلاً بفيلم الرِّسالة؛ حيث قام الفنان عبدالله غيث بتمثيل شخصية الحمزة - رضي الله عنه - فهل تأثَّرَت شخصية الحمزة في أذهان المسلمين بذلك؟

     
    وأرد عليه: نعم، إنَّ الأداء التمثيلي لمن يقوم بالتمثيل يؤثِّر في تصَوُّر الجمهور؛ فلو أدَّاها بشكل ضعيف، أو كانت هناك عوامل تُضعف التأثير؛ فسيتأثر ذِهْن المشاهِد بذلك، وتهتزُّ نظرته للشخصية الأصلية؛ فمن شاهد أداء أنتوني كوين لشخصية الحمزة في النسخة الإنجليزية لن يشعر أن شخصية الحمزة بكلِّ الإجلال الذي يحيط بها في الحقيقة في الإسلام؛ وذلك لأنَّ أنتوني كوين يتحدث الإنجليزية، وهي ليست لغة الحمزة - رضي الله عنه - كما أن من شاهد أنتوني كوين في أي فيلم من أفلامه وهو يُعَربِد ويشرب الخمر لن يقتنع به في شخصية حمزة - رضي الله عنه - وسيتأثَّر تصوُّره للشخصية بلا شك.
    ومثال آخر: فهناك فيلم القادسية؛ حيث قام الفنان عزَّت العلايلي بدور الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - وهو من العشرة المبشرين بالجنة؛ وقد كان الفيلم ضعيفًا في النسيج الدرامي والإخراج؛ مما ترك أثرًا لا يَخْفى على تصَوُّر المشاهد للشخصية الأصلية.
    أما إن جاء الأداء قويًّا فسيكون هناك أثر سلبي مختلف؛ حيث يصبح الممثِّل هو المرادِفَ الذِّهني للشخصية الحقيقية في ذهن المشاهد؛ فكلُّ من شاهد النسخة العربية لفيلم الرِّسالة إذا سمع اسم الحمزة - رضي الله عنه - يَرِدُ على ذهنه على الفور صورةُ الفنان عبدالله غيث، ومن سمع اسم صلاح الدِّين الأيوبي فلن يرد على ذهنه إلاَّ صورة الفنان أحمد مظهر، وهذا لا يَخْفى في الواقع على المنصف.
    وبذلك نرى الارتباط الوثيق بين صورة المُمَثِّل والشخصية التي يؤدِّيها؛ فلو جاء هذا الممثِّل وأدَّى دورًا قبيحًا بعد ذلك فلا بُدَّ أن يترك ذلك أثرًا ذميمًا في نفوس المشاهدين حول الشخصية العظيمة، ويكفينا في هذا ما حدث من أحد الفنانين الذين عادوا من الاعتزال، وأدَّى دور أحد العلماء الأجلاء في مسلسل ديني، ثم جاء في رمضان الماضي، وقام بأداء دور غير مناسب مع ممثِّلة تقوم بالتعرِّي والمَشاهد الفاضحة، ويستطيع الكاتب أن يُتابع صدمة الناس في هذا الفنَّان؛ لأنه فعل ذلك بعد أداء دور العالم الجليل.
    أمَّا ما ذكره الكاتب أنَّ من الحقائق العلمية الثابتة أنَّ كل فعل وقول يُسجَّل في ذاكرة الزمن ولا يضيع؛ فهذا لا أدري مصدره العلمي؛ حيث لم يَذْكر لنا مصدره، ولكن إن صحَّ هذا - وهو ليس محلَّ الخلاف بيننا - فلا علاقة لِمَا ذكرَه من أنه لو استطاع إنسان اختراع آلة تسجِّل ما مضى، واستطاع تصوير أحداث السِّيرة، أقول: لا علاقة لذلك بموضوع التمثيل؛ إذْ نَقْل الحقيقة ليس كالتمثيل في شيء، ولو رأينا رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - لكان لإيماننا أن يزيد، ولتأثَّرنا به، ووجدناه في كلِّ عمل قدوة، وأعظم مما نُقِل إلينا في السِّيرة؛ فهذا إذًا ليس محَلَّ استدلال على ما يراه الكاتب من جواز تمثيل شخصيات الأنبياء والصحابة.
    استدلال من القرآن:
    استدلَّ الكاتب على صحَّة مَوْقِفِه الذي يُعمِّمه - كما نفهم من سياقه - على جواز تمثيل الأنبياء والصحابة - وليس الصحابة فقط - بالقصَّة التي أوردها القرآن عن موقف نبي الله داود - عليه السَّلام - مع الملَكَين، وقال: "ففي هذه الآيات نرى الملائكة تَنْزِل على داود - عليه السَّلام - في صورة خَصْمَين، وقد قاما بتمثيل دورَيِ الشَّاكي والمشكو، الظَّالم والمظلوم، وانتظرا الردَّ من نبي الله داود، وذلك من باب تعليمه الحكم والقضاء، فإذا جاز للمَلَكِ - وهو طائعٌ لله دومًا - أن يقوم بدور الظالم العاصي لله، فمِن باب أولى جواز تمثيل الممثِّل وإن كان أقلَّ بكثير في الدرجة الإيمانية والخلقية من الصحابة، ولا مقارنة بينهما من الأصل في هذه الناحية".
    وهذا استلال غريب؛ فقد عكس الكاتب المنطق، وتحدَّث عنه كأنه أمر منطقي مسلَّم به؛ فإنَّ الصحيح أنه يجوز للأعلى أن يقوم بدور الأدني تعليمًا أو تواضعًا، أمَّا أن يقوم الأدنى بمحاكاة الأعلى؛ فهذا ما لم يقل به أحد!!
    فقد يجوز للعالم أن يتظاهر بالجهل؛ ليعلِّم تلاميذه، أما أن يتظاهر الجاهل بالعلم فهذا مذموم وقبيح، خاصَّة إذا كان مُصرًّا على الاستمرار فيما هو فيه.
    خاتمة:
    أردتُ بهذا المقال أن أوضِّح أنه ما من سبب في الأساس لدعوى البحث من جديد في هذا الأمر، وأن الكاتب لا يملك سببًا لذلك، كما أنه استعمل مؤثِّرات نفسية لا علاقة لها بالعلم؛ ليدفع القُرَّاء للاقتناع برأيه، وأنه لم يقدِّم دليلاً واحدًا معتبرًا في هذا الشأن، كما أنه لا يصحُّ اتِّهام كلِّ علماء المسلمين بالإعراض عن الحقِّ؛ اتباعًا لرأي العوام وخضوعًا لأهواء السلطان!
    أسأل الله تعالى أن يجعل هذا المقال خالصًا لوجهه الكريم، وأن يتقبله منِّي، وأن يأْجُر كلَّ من اجتهد في الأمر بعِلْم، والله هو الموفِّق، وهو الهادي إلى سواء السبيل.

    • تعليقات بلوجر
    • تعليقات الفيس بوك
    Item Reviewed: تمثيل الأنبياء والصحابة Rating: 5 Reviewed By: chalhaoui
    عبدالكريم الشلحاوي

    عبدالكريم الشلحاوي

    السلام عليكم و رحمة الله و بركاته، أخوكم في الله عبدالكريم الشلحاوي، محاسب إئتماني، ادون مقالات اسلامية دعوية في عصرنا هذا، الذي اصبح الناس فيه ملتهون عن دينهم

    فتح علامة التبويب الروابط في نافذة المتصفح بدلا من ذلك.
    جميع الحقوق محفوظه لـ الأولون
    تصميمPBT
    Scroll to Top
    Are you Awesome? Legend has it that Awesome people can and will share this post!
    تمثيل الأنبياء والصحابة